فصل: مسألة حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الولد إذا أنفق على والده أينفق على امرأته معه:

قال أشهب وابن نافع: سألنا مالكا عن الولد إذا أنفق على والده، أينفق على امرأته معه؟ قال: إن كان الولد موسرا أو كان ذلك يسيرا فما أشبه ذلك أن تكون عليه النفقة، وإن كان رجلا ناكحا بامرأة لها شأن، فما أرى ذلك عليه.
قال محمد بن رشد: في المدونة: إنه يجبر على نفقة امرأة واحدة من زوجات أبيه، كانت أمه أو ربيبة، وقال المغيرة في غير المدونة، ومحمد بن عبد الحكم: لا يلزم الإنفاق على ربيبته، وإنما ينفق على أبيه وأمه، ورواية أشهب هذه قولة ثالثة بين القولين، فقف على ذلك، وبالله التوفيق لا شريك له.
تم الجزء الثاني من كتاب طلاق السنة بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والله المعين بفضله. يتلوه كتاب الأيمان والطلاق.
انتهى الجزء الخامس من البيان والتحصيل للإمام ابن رشد من عمل ثمانية عشر جزءايتلوه أول السادس كتاب الأيمان بالطلاق.

.كتاب الأيمان بالطلاق الأول:

.قال إن زدت على رطل وربع فامرأتي طالق:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.مسألة معه أخت لامرأته في بيت ساكنة فحلف بطلاق امرأته لا يساكنها:

وسئل مالك: عن رجل كانت معه أخت لامرأته في بيت ساكنة، فحلف بطلاق امرأته لا يساكنها فخرج عنها وبقيت امرأته في البيت فجعل يطلب منزلا ينتقل إليه فأقاما فيه أياما حتى أصابا منزلا فجمع امرأته إليه فيه ثم إنه خرج يريد سفرا وترك امرأته في ذلك المنزل، ثم إن المنزل انهدم من بعده وهو غائب فرجعت امرأته إلى المنزل الأول فكانت مع أختها حتى قدم زوجها، أترى عليه حنثا؟
قال: أرى يُدَيَّن، إن كان لم ينو ألا تدخل امرأته لتزور أختها أو لتمرضها فلا أرى بأسا أن تدخل وتمرض ولا أرى عليه حنثا، وذلك أنه خرج ولم يسكن، وإنما كان ذلك منها على غير ما نوى زوجها، قال أصبغ: معنى هذه، المسألة إنما حلف ألا يساكنها هو بنفسه وهذا الذي نوى، فإما إن كان حلف منها ألا يساكنها فترك امرأته معها وخرج يطلب بيتا لكان حانثا في تركه إياها معها حتى وجد منزلا.
قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة خلاف قوله في المدونة وخلاف ما يأتي في رسم القطعان من سماع عيسى من أن من حلف ألا يسكن دارا فلم يجد ساعة حلف بعياله وأهله وولده ومتاعه وإن كان في جوف الليل حنث، وتأويل أصبغ عليه غير صحيح؛ لأنه لو تكلم على أنه نوى ألا يساكنها هو بنفسه لما قال إنه يحنث برجوع امرأته إلى منزل أختها وكونها معها على وجه السكنى، ولا يحنث إن فعلت ذلك على وجه الزيارة أو التمريض إلا أن يكون نوى ذلك، ووجه قوله أنه راعى مقصد الحالف دون الاعتبار لمقتضى لفظه؛ لأن من حلف ألا يساكن رجلا فمعنى لينتقلن عنه في أعجل ما يقدر، فإذا لم يغره في ارتياد منزل والانتقال إليه لم يحنث، وما في المدونة يأتي على اعتبار مقتضى لفظه دون مراعاة قصده؛ لأنه إذا حلف على ألا يساكن رجلا ولم ينتقل عنه تلك الساعة فقد ساكنه بعد يمينه، وقد بينا هذا الأصل والاختلاف فيه في رسم الثمرة ورسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور وفي غيره من المواضع، وإيجاب مالك عليه الحنث برجوع امرأته إلى مساكنة أختها بغير علمه بعد أن انتقل بها عنها ليس ببيّن؛ لأنه لم يحلف عليها ألا تساكن أختها فيحنث برجوعها إلى مساكنتها، وإنما حلف ألا يساكنها هو، فإذا انتقل عنها بزوجته وجميع متاعه فقد بر ووجب ألا يحنث برجوعها إلى مساكنتها بغير علمه إلا أن يعلم بذلك فيقرها، كمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه ذلك البيت أنه لا يحنث إن خرج عنه من ساعته باتفاق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يدخل عليه من قبل أخته هدية:

وسئل: عمن حلف بطلاق امرأته ألا يدخل عليه من قبل أخته هدية وكان له ولد صغير أو كبير يدخل عليها فيصيب اليسير من الطعام وأشباه ذلك هل ترى ذلك منفعة فيكون حانثا؟ أم ما ترى في ذلك؟
قال: أما من خرج من ولاية أبيه من الكبار واستغنوا عنه فأصابوا شيئا منها فلا أرى عليه شيئا؛ لأنه لا يصل إليه من منفعة ولده شيء، وأما ولده الصغار فإن لم يكونوا يصيبون من عندها إلا اليسير الذي لا ينتفع به الأب في عون ولده مثل الثوب يكسوه إياه فيكون قد انتفع بذلك حين كفاه ذلك أن يشتري له ثوبا ويطعمه طعاما يغنيه ذلك عن مؤنته أو شبه ذلك، فإذا كان ذلك رأيت أن قد دخلت عليه منفعة فأراه عند ذلك حانثا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا وجه للقول فيها، وتفرقته فيما أكل عندها ابنه الصغير من الطعام بين أن يكون يسيرا لا يحط عنه به من مؤنة ولده شيء، أو كثير ينحط به عنه من ذلك يبين ما وقع في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب النذور، ولو خرج من عندها بطعام فأكله لحنث يسيرا أو كثيرا على ما في المدونة في الذي يحلف ألا يأكل لرجل طعاما فدخل ابن له صغير فأطعمه خبزا فخرج به فأكله الحالف.

.مسألة قال لامرأته إذا أخرجت إلي متاعي فأنت طالق:

وسئل مالك: عن رجل كانت بينه وبين امرأته محاورة فدعته إلى الفرقة وله عندها متاع فخاف أن تحبسه عنده، فقال لها: إذا أنت أخرجت إلي متاعي فأنت طالق فرضيت فقامت مجمعة للطلاق فأخرجت بعض المتاع ثم ندمت فكرهت فراق زوجها فأبت أن تخرج له بقية متاعه.
فقال: أرى أن تخرج له بقية متاعه، وأرى الطلاق قد وقع عليه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما خشي أن تجحد المتاع وتحبسه عنه فقال لها: إذا أخرجت إلي متاعي فأنت طالق يبين أن معنى يمينه أنت طالق إن أقررت لي بمتاعي وأخرجته إلي، فلما أقرت له بمتاعه وأخرجت له بعضه لزمها الطلاق؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت هذا الرغيف فأكلت بعضه، وكذلك لو أقرت له بمتاعه ولم تخرج إليه منه شيئا لوجب أن تطلق عليه؛ لأنها إذا أقرت له بمتاعه فقد حصل له غرضه الذي حلف عليه لقدرته على أخذ متاعه منها إن امتنعت عن إخراجه إليه وصار بمنزلة من قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار وصليت فيها، فدخلت الدار ولم تصل فيها، ولو أخرجت إليه بعض متاعه وجحدت الباقي لم يلزمه طلاق فيما بينه وبين الله؛ لأن غرضه الذي طلق عليه لم يتم له، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار فأعطته خمسين دينارا ويطلق عليه إن قامت بذلك بينة؛ لأن الطلاق قد لزمه بظاهر الأمر إذا أخرجت إليه المتاع، والقول قوله أن ذلك جميع ما له عندها من المتاع، وفي رسم أبي زيد بيان هذا، ولو كانت مقرة له بمتاعه فقال لها: أنت طالق إذا أخرجت إلي متاعي لم يلزمه الطلاق إلا بإخراج جميعه؛ لأنه قد تبين هاهنا أنه أراد أن يطلقها إذا رجع إليه جميع ماله مخافة أن يحتاج في قبضه منها إلى عناء أو مخاصمة، فصار بمنزلة من قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فلا تطلق إلا أن تعطيه جميع المائة، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك إلى شهر:

وقال مالك: من قال لامرأته: أنت طالق إن لم أضربك إلى شهر، لم أر أن يعجل عليه حتى يأتي الشهر، وقال ابن القاسم: إن كان الذي حلف عليه من الضرب ضربا ليس مثله يترك والبرنية، رأيت أن يطلق عليه الساعة ولا ينتظر به.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف في أنه لا يعجل عليه الطلاق حتى يأتي الشهر؛ لأنه على بر، وإنما اختلف قول ابن القاسم هل له أن يطأ إلى الشهر أم لا على قولين؟ وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم يوصى لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الإيلاء، ولم يبين القدر الذي لا يباح له البر فيه من الضرب. وحكى ابن حبيب في الواضحة أنه إن كان حلف على عشرة أسوط ونحوها خلي بينه وبين البر ولم يطلق عليه إذا زعم أن ذلك لذنب أذنبته فيصدق في ذلك، قال: وإن حلف على أكثر من ذلك مثل الثلاثين سوطا ونحوها طلق عليه ولم يمكن من البر في ذلك إن كان لغير شيء تستوجبه، يريد: فإن كان لشيء تستوجبه مكن من البر، ومعنى ذلك عندي إذا ثبت عند السلطان أنها فعلت ما يوجب عليها ذلك المقدار من العقوبة لا أنه يصدق في قوله، قال: فإن لم يرفع إلى السلطان حتى فعل فقد أساء ولا عقوبة عليه إلا الزجر والسجن.

.مسألة قال امرأته خلية إن فرطت أو توانيت في حقي:

وقال مالك: من قال: امرأته خلية إن فرطت أو توانيت في حقي على فلان حتى آخذه منه قال: إن توانى رجاء أن يأتيه بحقه حتى مرض فحال المرض بينه وبينه فقد حنث، وإن كان أقام يوما أو يومين ونحو ذلك وهو جاهد غير مقصر حتى جاءه المرض فشغله عنه فالله أعذر بالعذر.
قال محمد بن رشد: ولو كان يقدر على التوكيل في مرضه ففرط وتوانى ولم يفعل حنث، قاله ابن دحون، وهو صحيح.

.مسألة يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه:

وقال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا، ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما، ويقول الرجل قد ضربت: إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف، قال ابن القاسم: وذلك مخالف للحقوق في قول مالك؛ لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قد قضاه، قال مالك: إن لم يكن له بينة على القضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق.
قال محمد بن رشد: أما الذي يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبد ليضربنه إلى أجل يسميه، فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الأجل على أنه قد ضرب قبل الأجل؛ لأن ضرب الرجل زوجته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها أو العبد من سيده؛ فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك ويلزمه الإشهاد على تأديبه ولعله ضرب هذا فلا يسوغ للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضره ليشهد به، قال في الواضحة: وإن مات السيد فادعى العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا بمنزلة السيد في ذلك.
وأما الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قد قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق البتات، ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن القول قوله مع يمينه فيحلف ويبرأ من الحنث بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه، وهو قول مالك في رواية زياد عنه.
والثاني: أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه، أو شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، وهو الذي يأتي على قول سحنون في كتاب ابنه.
والثالث: أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا بشاهد وامرأتين ولا بإقرار صاحب الحق، ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين، وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك ورواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من سماع عيسى، وقد قيل: إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يوطئ حراما، وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة.
قال ابن نافع في المبسوطة: مع يمينه، وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى: إذا كان من أهل الصدق ولا يتهم، وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة، وهو معنى قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق؛ لأنه يريد بقوله: على أصل الحق على أصل اليمين.
وأما إذا لم يكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما رفع فيها وطلب بها، فيتخرج ذلك على قولين:
أحدهما: أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه.
والثاني: أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الأجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة، وسواء كانت على أصل الدين بينة أو لم تكن، وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها على أصل اليمين على ظاهر قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها في وجوب الطلاق، فالمعنى في ذلك ما ذكرناه، ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك يمين، ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الأجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام هو بينة على دفع الحق قبل الأجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الأصل قائم من المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها:

وسئل مالك: عن رجل حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها.
فقال: أخشى أن تكون أن يعتزلها فإن كان كذلك فلا يفعل، قال: وإن لم يكن نوى اعتزالها فلا أرى بأسا أن يقبلها ويطأها.
وقال محمد بن رشد: لا يخلو الحالف في يمينه هذه من ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينوي أن يعتزلها، والثاني: أن ينوي ألا يعتزلها، والثالث: ألا تكون له نية. فإن نوى أن يعتزلها حنث إن وطئها أو قبلها، وإن نوى ألا يعتزلها لم يحنث بشيء من ذلك، وإن لم تكن له نية فالظاهر من قوله: وإن لم يكن نوى اعتزالها فلا أرى بأسا أن يقبلها أو يطأها أن يمينه عنده محمولة على غير الاعتزال حتى ينوي الاعتزال، وهو ظاهر قول ابن شهاب في أول كتاب الإيلاء من المدونة، ووجه ذلك ظاهر، وهو أن الكلام غير الوطء، كل واحد منهما بائن عن صاحبه ليس بداخل فيه، فوجب ألا يحنث إذا حلف ألا يكلم امرأته فوطئها، كل يحنث إذا حلف أن يطأها فكلم بخلاف الذي يحلف إن هو يطأ فيثب عليها بذكره فيما دون فرجها، هذا هو محمول على الاجتناب حتى ينوي الفرج بعينه، على ما قال في كتاب الإيلاء: أن العبث عليها بالفرج داخل تحت الوطء، ألا ترى أنه لو حلف ألا يعبث عليها بذكره فوطئها لم يشك في أنه حانث، وأصبغ: يرى أنه إذا حلف ألا يكلمها فوطئها يحنث من جهة فهمها لما يريده منها كالذي يحلف ألا يكلم رجلا فيشير إليه، وقد مضى القول على ذلك في سماعه من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد كانت تحته أمة فحلف بطلاقها في شيء ألا يفعله ففعله:

ومن كتاب سلعة سماها:
قال: وسئل مالك: عن عبد كانت تحته أمة فحلف بطلاقها في شيء ألا يفعله ففعله وسيد الجارية شاهد عليه، فقال: إنما حلفت بطلاقها واحدة ونسي سيد الجارية يمينه، فاستحلف الزوج فحلف أنه ما حلف إلا بتطليقة واحدة، أفترى ذلك يجزيه أم يستحلف عند المنبر؟
قال: لا يجزيه حتى يحلف عند المنبر.
قال محمد بن رشد: قوله وسيد الجارية شاهد عليه ليس بخلاف لما في المدونة من أنه لا يجوز شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته؛ لأنه إنما ذكر ذلك وصفا للأمر على ما وقع، ولم يحلفه من أجل شهادته لاسيما وهو قد نسي يمينه، وإنما حلفه من أجل أنه قد أقر على نفسه أنه حلف بطلاقها وحنث فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به، فوجب أن يحلف، بخلاف إذا ادعت أنه طلق وأنكر، وإيجابه عليه لليمين عند المنبر صحيح؛ لأنه إذا وجب عليه أن يحلف عنده في الحقوق بظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من حلف على منبري إثما فليتبوأ مقعده من النار»، كان أحد أن يحلف عنده في الطلاق؛ لأن حرمة الفرج آكد من حرمة المال.

.مسألة حلف ألا ينفق على امرأته سنة:

وسئل: عن الرجل يحلف لامرأته بطلاقها البتة إن أنفق عليها سنة فغاب عنها سنة، ثم أتى بعد ذلك فيريد أن يدفع لها في ذلك دنانير نفقة السنة.
قال: إذا دفع إليها ذلك فقد أنفق عليها، قال: إنه إنما دفع إليها بعد السنة؟ قال: وإن كان، فهو كذلك، إلا أن تكون له نية إن رفعت أمرها إلى السلطان، فيقضى عليه أن يقول لم أرد وإن قضي على، فلعلها أن ترفع أمرها إلى السلطان فيقضي عليه، فإذا قال: لم أرد هذا ولا نويته، إنما أردت ألا أنفق عليها طائعا، فإذا كان هذا نيته فلا أرى عليه شيئا.
قال محمد: قوله في الذي حلف ألا ينفق على امرأته سنة فيدفع إليها بعد السنة دنانير عن نفقة السنة أنه حانث صحيح؛ لأن الذي يحلف أن لا ينفق على امرأته سنة إنما يريد توفير ماله على نفسه بترك الإنفاق عليها، فلا فرق بين أن ينفق عليها في السنة أو يدفع ذلك إليها بعد السنة، ولو ادعى أنه إنما نوى ألا ينفق عليها في السنة وأنه أراد أن يعطيها ذلك بعد السنة لم ينوه في ذلك؛ لأنها نية مخالفة للمعنى الذي حلف عليه، ومن ادعى نية مخالفة لظاهر يمينه الحكم به عليه لم ينو إلا أن يأتي مستفتيا ونواه إذا ادعى أنه إنما نوى ألا ينفق عليها طائعا، يريد مع يمينه على ما قال في آخر سماع أشهب؛ لأنها نية محتملة، إذ قد قيل: إنه لا يحنث إذا قضى عليه السلطان وإن لم تكن نية، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، خلاف قول مالك هذا وقوله في سماع أشهب ودليل ما في التخيير والتمليك من المدونة، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يشتري لحما ثم اشتراه:

وسئل مالك: عن رجل خرج يبتاع لأهله لحما فوجد على المجزرة زحاما فحلف بطلاق امرأته البتة إن اشترى لأهله ذلك اليوم لحما، فرجع إلى بيته فعاتبته امرأته في ذلك فخرج فاشترى كبشا فذبحه فأكلوا من لحمه.
فقال: ما أراه إلا قد حنث وأرى هذا لحما، قال ابن القاسم: إلا أن تكون إنما كانت كراهيته ذلك لموضع الزحام على المجزرة ووجد لحما أو كبشا في غير المجزرة فاشتراه فأرى أن ينوي في ذلك.
قال محمد بن رشد: لم يراع مالك البساط في هذه المسألة إذ رآه حانثا بشرائه الكبش من أجل أنه لحم، وذلك مثل قوله في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك ومثل ما في سماع سحنون من هذا الكتاب في مسألة البالوعة، ورعاه ابن القاسم فلم ير عليه حنثا بشرائه اللحم أو كبشا في غير زحام إذا كانت يمينه من أجل أنه كره الشراء في الزحام، وهو المشهور في المذهب، ألا تحمل اليمين إلا على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط، ومثله في سماع أشهب بعد هذا في مسألة النقيب، وقد قيل: إن اليمين إذا لم يكن له بساط، تحمل على ما يعرف من عرف الناس في كلامهم ومقاصدهم بأيمانهم، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في هذا المعنى مجودا في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور.
وقول ابن القاسم في آخر المسألة، فأرى أن ينوى في ذلك معناه، فأرى أن يصدق أنه إنما حلف كراهية الزحام، ولا يمين عليه في ذلك إن شهدت بينة مصورة الحال أو أتى مستفتيا. ولو شهد عليه أنه حلف بالطلاق ألا يشتري لحما ثم اشتراه، فقال: إنما كنت حلفت لأني خرجت لشرائه فوجدت على المجزرة زحاما ولم تعلم البينة ذلك لطلق عليه ولم يصدق فيما ادعاه من ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت على بيت أهلها إلا بإذنه:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل مالك: عن الرجل يحلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت على بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها، فخرجت مرة فضربها، هل ترى عليه شيئا في ذلك إن هي خرجت؟
قال: لا، إلا أن يكون نوى ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة موافقة لما في كتاب النذور من المدونة أن من حلف ألا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه فحنث ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة وحدة، وموافقة أيضا لجميع روايات العتبية، من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا من هذا الكتاب، وأول مسألة من سماع أشهب من كتاب النذور، وأول مسألة من رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة حاشا مسألة الوثر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى هناك من القول على توجيه كلا القولين ما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل طلب بحق فقال امرأتي طالق ما له عندي حق:

وسئل مالك: عن رجل استأجره رجل يعمل له، وادعى الذي استأجره أنه استأجره يعمل له معول وعمله على ذلك رجل، فقال المستأجر: حرم أهلي إن كنت استأجرته على معول وإن كان شهد على فلان لقد شهد بباطل، ثم سئل الشاهد فقال: ما أشهد بشيء، قال مالك: أليس أنت مستيقن أنك حلفت على حق؟ قال: نعم، قال: فلا شيء عليك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه موكول إلى أمانته في صدق ما حلف عليه ما لم يتبين كذبه بعد اليمين بشهادة شهود شهدوا عليه لم يكذبهما في يمينه، ولو أن الشاهد شهد عليه لم يضره؛ لأنه قد كذبه في يمينه، بمنزلة رجل طلب بحق، فقال: امرأتي طالق ما له عندي حق، ولئن شهد علي به فلان وفلان إنهما لكاذبان، فشهدا عليه عدلا أو عدم الحق فلأنه لا حنث عليه لأنه قد كذبهما في يمينه، وسيأتي هذا المعنى في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى والقول فيه إن شاء الله.

.مسألة قال لرجل جاء يستسلفه سلفا فقال ما عندي:

وحدثني عن ابن كنانة أن مالكا سئل عن رجل قال لرجل: جاء يستسلفه سلفا، فقال: ما عندي، قال الرجل: امرأتي طالق إن كان لك مني بد، فأعطاه الذي سأله من السلف، وقال: هذا أنا قد أعطيتك، ولكن انظر أنت في يمينك، فاختلف فيها أهل المدونة واضطربوا فيها اضطرابا شديدا، فسئل عنها مالك وأتى بها صاحبها إليه، فقال: ألم يأخذها على وزن صاحبه الذي سأله؟ قال: نعم، قال: لا أرى عليه حنثا إذا أراد وجه السلف، واحتج في ذلك وقال: إن منعه حنث، وإن أعطاه حنث، لا أرى عليه شيئا، وكأنه لم يره من وجه ما حلف عليه.
قال محمد بن رشد: إنما اضطرب في هذه المسألة أهل المدونة؛ لأن قوله إن كان لك مني بد لفظ يحتمل أن يراد به إن كان لك محيص عن أن تسلفني ما سألتك إياه من السلف، فمن حمل يمينه على هذا رآه حانثا وإن أسلفه؛ لأنه قد كان له محيص عن أن يسلفه، ويحتمل أن يراد به لألزمنك حتى تسلفني ما سألتك إياه من السلف شئت أو أبيت، وعلى هذا حمل مالك يمينه، فلذلك قال: إنه لا حنث عليه إذا أخذ السلف منه على مثل الوزن الذي سأله إياه، وذلك بين من قوله إنما أراد وجه، ومن احتجاجه بأن قال إن أعطاه حنث وإن منعه حنث، وقوله في آخر المسألة وكأنه لم يره من وجه ما حلف عليه معناه وكأنه لم ير من أوجب عليه الطلاق وأعطاه السلف من وجه ما حلف عليه؛ لأن الوجه في ذلك عنده أنه مهد محيص له عن أن يسلفه، ويحتمل أن يراد باللفظ أنه لابد لك أن تفتقر إلي كما افتقرت إليك فأقارضك بالحرمان كما فعلت، فمن حمل يمينه على هذا رآه أيضا حانثا لأنه حلف على غيب لا علم له به، والله أعلم.